مقالات

أحمد زكي.. القصة الحقيقية الوصية ..الحلقة الأولى

بقلم الكاتب الكبير: محمد بركات

زارتني ابنتي وتلميذتي “مها متبولي” في الأسبوع الماضي وأنا أحبها لأنها صحفية موهوبة واعلامية محبوبة ولأن الفنانين يعشقونها عشقا لأنها تدخل قلوبهم وتحفظ أسرارهم ولا تقول فيهم الا خيرا.

وفي هذه الزيارة سألتني “مها” عن سر المكالمة التي تلقيتها من أحمد زكي قبل وفاته بثلاثة أيام ؟

قلت لها كان ذلك عندما دخلت علي زوجتي في الساعة السابعة صباحا وهي ترتجف وتقول لي ان أحمد زكي يتصل بك من غرفته بالمستشفى ويريد أن يتحدث معك..واستقبلت مكالمته مرحبا وأنا أسأل عن صحته فقال لي بصوت واهن أنا الان بين يدي الله وانا أتصل بك من أجل شيء واحد  هو أن تكتب أنت القصة ..القصة الحقيقية ..فأنت الوحيد الذي يعرفها بكل الصدق  وبكل الأمانة كما حدثت بل انك شاركت فيها  وهذه وصيتي الأخيرة لك ثم بكى أو بدا لي أنه تأثر الى حد البكاء فبكيت معه!!

قالت “مها” : ولماذا لم تنفذ الوصية..لماذا لم تكتب القصة؟

قلت لم أستطع..ومع هذا فقد حاولت ولكني كلما مسكت بالقلم رأيت أحمد زكي أمامي فيأخذني الانفعال  ويعود بي شريط الذكريات الى ستين سنة مضت يوم عرفته فتى ريفيا رقيق الحال فتتجمد الكلمات بين يدي فأتوقف.

قالت “مها”: أنا أقدر هذا الشعور  ومع هذا فلنحاول هذه المرة..خصوصا أن مصر تحتفل هذه الأيام بعيد ميلاد أحمد زكي والذي يوافق ١٨ نوفمبر  عام ١٩٤٨ فلا أقل من أن نحتفل مع الملايين من محبيه بموهبة هذا العبقري الذي يمثل ابداعه “فلتة” لن تتكرر في فن التمثيل ولنبدأ من البداية..كيف عرفت أحمد زكي ؟

قلت : لقد عرفت أحمد زكي كما لم يعرفه أحد.

والأصح أنني عرفته قبل أن يعرفه أحد.

كان ذلك في منتصف الستينيات الذهبية  أو نحوها ومصر  الناصرية تخفق راياتها بايات العزة والمجد.

وكانت مصر تشهد الى جانب ثورتها السياسية  والاقتصادية ثورة اجتماعية لا تقل قيمة وأهمية.

وكان احد أهم عناصر هذه الثورة الاهتمام بالأدب والفن والفكر والثقافة وكان هذا هو  زمن الفن الجميل كما سمي بعد ذلك بحق فكان يصدر كتاب كل ست ساعات وكانت الكتب تباع بملاليم .

وكانت المجلات الثقافية تملأ الساحة من جميع الاتجاهات.

وفي هذه الأوقات كان ثروت عكاشة قد أرسى دعائم أكاديمية الفنون بمعاهدها المتعددة وبعثاتها الفنية الى دول العالم وانتشرت المهرجانات الفنية في كل ربوع مصر حيث كان المسرح بحضوره الجماهيري احد أهم ظواهر الحدث الثقافي في هذا الوقت ثم ظهر التلفزيون وظهرت معه فرقه المسرحية وظهر المسرح الشعبي ومسارح الأقاليم ومسرح السامر والمسرح العسكري ومسارح الشباب الى جوار الفرق الرسمية العريقة فضلا عن عشرات الفرق الأهلية ومئات من الفرق الأخرى  وقد راحت هذه الفرق كلها تقدم عروضها في كل مكان وتطوف الوادي من أقصاه  الى أقصاه .

وفي ظل هذا المناخ تفتحت مئات البراعم  وراح الاف الشباب يبحثون لمواهبهم عن مكان.

وفي هذا الوقت تعاظم الاهتمام بالثقافة الشعبية فظهرت الثقافة الجماهيرية كما أنشئت الاف من قصور الثقافة في الأقاليم وانتشرت الثقافة في القرى وأعيد الاهتمام بالفلكلور الوطني وراح نخبة من المثقفين يعملون على اكتشاف وتأصيل الفنون الشعبية ابتداء من اغاني  ورقصات فرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية حتى قيام كبار الفنانين بتقديم الفن المصري الأصيل وهو ما سمي يومئذ بالفن للشعب بعد بلورته وتنقيحه واضفاء الصبغة العلمية عليه .

وكنا نحن معشر الشباب من الصحفيين والفنانين والكتاب نواكب هذه الحركة الفوارة ونتابعها بحماس لا يعرف الكلل فذهبت أنا مثلا  الى أسوان لأشاهد مسرحية امن فصل واحد كتبها وأخرجها ومثلها علي سالم  وكان يومئذ لاعبا  في مسرح العرائس وكاتبا جديدا يبحث له عن مكان.

 كما ذهبت الى مرسى مطروح لمشاهدة مسرحية يقدمها فريق من الهواة من أبناء قبيلة أولاد علي  مع أن السفر الى هناك كان يستغرق يوما كاملا  وقل مثل هذا في كل أقاليم ومحافظات الوادي  حيث كانت مائة زهرة تتفتح كل يوم.

في هذا الوقت دعيت لحضور مهرجان مسرحي في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية وكان رئيس لجنة التحكيم في هذا المهرجان  هو الفنان القدير محمد  توفيق بشخصيته الاسرة الطيبة ويومها شاهدت مسرحية بعنوان” الساقية” ..لم يلفت نظري فيها سوى الفتى والفتاة الذين قاما ببطولة المسرحية ..

كان الفتى بطل العرض شابا  نحيلا أسمر البشرة منكوش الشعر ولم تكن هيأته بأي حال من الأحوال تنم عن أنه ممثل من أي نوع ، كان يخلو من أي بريق ولم تكن فيه ذرة من الوسامة التي كانت حتى هذا الوقت هى جواز المرور الى فن التمثيل من بقايا تراث أنور وجدي  ونجوم الأربعينيات والخمسينيات

 أما بطولة العمل فكانت لبنت صغيرة حلوة الملامح والتقاطيع وكان يعيبها قدر هائل من الخجل الذي تتمتع به البنات في سنها وخصوصا بنات الاقاليم.

ويومها فازت هذه المسرحية  بجائزة المهرجان على مستوى التمثيل والذي اعطاها هذه القيمة هو محمد توفيق رئيس لجنة التحكيم.

مرت السهرة التي جمعتنا مع ” الفرقة” ومع المسئولين  في قصر الثقافة .

هذا الشاب اسمه ” احمد ”  وان البنت اسمها ” عيشة”  ولكن الأهم أنني عرفت ان هذا “الولد” كان في السادسة عشر هو ثالث ثلاثة يقيمون في دار للايتام  بالزقازيق .. أما  الاخران فهو المطرب الذي سيملأ  الدنيا فنا  وهو عبد الحليم حافظ  واما الاخر فهو شاعر العامية المصرية احمد فؤاد نجم.

وفي نهاية السهرة قال الفتى الاسمر الأشعث الملامح والهيئة والشعر انه يريد أن يعود معنا الى القاهرة  لأنه يحب الفن ويريد أن يمثل  وقال له محمد توفيق ان التمثيل يا ابني لم يعد هواية بل أصبح علما يدرس، لقد انتهت مرحلة “اين ترعرعت سيدتي” في الصحافة والفن  ونحن الان في مرحلة اين تعلمت وماذا درست ..وما نوع التخصص الذي برعت  فيه  وما هى

 دراستك وما هى الشهادة التي معك؟

قال الفتى : أنا طالب في التعليم الفني لأنني لم أدخل الثانوى العام.

فقال له الفنان العظيم …اكمل دراستك اولا  وحين تحصل على المؤهل الدراسي تعال الينا في القاهرة .

فاسقط في يد الفتى أنه ارتبك وبدا لي انه بكا او كان على وشك البكاء…

الحلقة القادمة: ضائع في القاهرة.

ناصر محجوب

Recent Posts

روتارى التحرير يختتم المرحلة الثانية من مشروع تمكين المرأة فى القطاع الصناعى

فى اطار الاتفاق الذى عقد بين نادى روتارى التحرير ومركز تكنولوجيا الجلود و مركز الموضة…

4 ساعات ago

100 صورة من فعاليات الحفل الخيري لمؤسسة ياسمين السمره بالمتحف المصري

تحت رعاية  معالى وزيرة التضامن الاجتماعي د/ نيفين القباج نظمت مؤسسة ياسمين السمره الخيرية لمرضى…

3 أيام ago

مبادرة نادى اينرويل التحرير لدعم المشروعات الصغيرة

تحت رعاية السادة رئيس واعضاء مجلس ادارة نادى الجزيرة وبعناية السيدة / منى ابو الفتوح…

4 أيام ago

احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية

تألق الفنانة أنغام والفنان تامر حسنى ، في حفل مجلس القبائل والعائلات المصرية، في الاحتفالية…

6 أيام ago

مركز راشد لأصحاب الهمم يكرم نجوم الفن والسفراء والاعلام

شهدت احتفالية مركز راشد لأصحاب الهمم، تكريم عدد من الشخصيات والنشطاء الداعمين لأنشطة المركز طيلة…

أسبوع واحد ago

وفاة الفنانة شيرين سيف النصر

توفيت الفنانة شيرين سيف النصر، السبت، عن عمر يناهز 56 عاماً، بعدما قدمت 31 عملاً…

3 أسابيع ago

This website uses cookies.