مقالات

أحمد زكي.. القصه الحقيقيه.. ممثل العظماء  .. الحلقة الخامسة

بقلم الكاتب الكبير: محمد بركات

لقد تم صنع الأسطورة …وأصبح أحمد زكي عظيما في فنه لايقدم إلا سير العظماء..

وفي هذه المرحلة في منتصف الثمانينات أصبح أحمد زكي بأدواره المتنوعة بطلا شعبيا يعبر عن الطائفة العريضة من المشاهدين الذين يشبهونه في كل شيء وهم غالبية جمهور السينما !!

وأخبرني يوما أن له فيلما جديدا سوف يعرض في اليوم التالي في أكثر دور العرض جماهيرية في شارع الفن ، وهو شارع عماد الدين ..وقال لي :”أنا أحترم وأقدر الكتاب والنقاد والصحفيين وأتعلم منهم ، ومن كتاباتهم حتى و لوكان لي فيهم رأيا مختلفا ..ولكن هذه الفئة من النخبة ومن صفوة المشاهدين ليسوا هم جمهوري…إن جمهوري هم بسطاء الناس من أمثالي ..سائقوا التاكسى والميكروباصات والعمال والصنايعية من الحرفيين وهؤلاء لا يدخلون السينما فرادى بل جماعات،وإذا أعجب أحدهم الفيلم دعا أصدقاءه وشاهده مرة تانية وتالتة معهم لأنه يستمتع برواية المشاهد والأحداث لأصدقائه ، لأنه سبق وشاهدها …وهؤلاء لايجدون متعتهم إلا في هذا الفن الشعبي الرخيص الذي هو في متناول أيديهم ، وهو السينما ، إذ إنهم الممول الحقيقي للفيلم ..هؤلاء هم جمهور الدرجة الثالثة أو جمهور “الترسو”، وهم يحكمون في نفس لحظة المشاهدة على الفيلم ، فإذا أعجبهم شاهدوه أكثر من مرة ، وقاموا بالدعاية المجانية له..وإذا لم يعجبهم هتفوا في الصالة جماعة ..”سيما أونطة..هاتوا فلوسنا “!! والممثل ينجح بهؤلاء ..ويسقط بهم ..إنهم الناس ..الناس الحقيقيون بوعيهم الفطري وذكائهم الحاد” .

والمهم أنه طلب مني أن أشاهد الفيلم مع جمهوره الحقيقي في سينما الدرجة الثالثة،وكان ثمن التذكرة نصف جنيه ..وذهبت لأشاهد الفيلم ، وكان الفيلم للمخرج الفنان عاطف سالم ،وهو فيلم “النمر الأسود” المأخوذ عن قصة حقيقية لملاكم مصري في أوروبا، أصبح ببطولته حديث الناس في ألمانيا ، حيث يعيش..  ،إنها بطولة الفقراء ..بطولة البسطاء.. بطولة التحدي والارادة والعزيمة والسباحة عكس التيار..إنها بطولة” محمد صلاح ” الذي أصبح بموهبته حديث الناس ، كأعظم لاعب كرة قدم   على ظهر الأرض، وهو القادم من قرية مصرية مجهولة من محافظة الغربية ..وهي بطولة “ممدوح السبيعي” . الشهير باسم “بيج رامي” وهو فلاح مصري من قرية نائية في محافظة في أطراف الدلتا هى كفر الشيخ ،وقد تم تتويجه  للعام الثاني في أكبر بطولة عالمية لكمال الأجسام ، في أمريكا ليحصل على لقب “مستر أولمبيا”..!!                                                                                                                                                                                             

وأحمد زكي في التفسير الأخير واحد من هؤلاء ..واحد من هذه الفئة لفلاح مصري يتيم من الزقازيق ،وصلت موهبته إلى حد مقابلة رؤساء الدول .

والانتقال بطائرة الرئاسة.. وفتح السفارات له في العطلات أو في غير موعدها..إنه المصري حين يتعملق بموهبته فيجسد شخصيات عظماء مصر ..من طه حسين وجمال عبد الناصر ..حتى أنور السادات وعبد الحليم حافظ.

وذهبت لمشاهدة الفيلم ، وأنا غير متحمس ..وفي الشارع الشهير في وسط القاهرة ، وبالقرب من باب الحديد ، وجدت سيارات البوليس وعشرات من الجنود ينظمون حركة المتفرجين أمام السينما ..كان الشارع مسدودا بعشرات الآلاف ..وبلغ الزحام حدا تم فيه تحطيم بوابات الدخول ،وزغرد قلبي إذ لم أستطع أن أقترب من دار السينما ،وربما طفرت من عيني دمعة حانية تترجم حبي لهذا الشاب الذي صنع أسطورته بنفسه ..وقد لقى الفيلم هذا النجاح المدوي ، رغم أن بطله ليس الشاب الوسيم الذي تعشقه الفتيات ،وليس فيه هذه الممثلة الفاتنة التي يحلم كل كل متفرج بأن تلقي عليه نظرة فضلا عن أن تحبه !!

وكان أهم ما خرجت به من هذه التجربة أنني – بعد أن عرفت أحمد زكي- عرفت جمهوره على الواقع ..لقد اكتملت عندي الصورة بكل ظلالها فهذا هو الفنان ..وهذا هو فنه ..وهذا هو جمهوره ..وهذه هي أحلامه التي تقدم نكهة جديدة في السينما المصرية ..لقد تم تحطيم الصورة التقليدية الموروثة للبطل ،وتم في نفس الوقت ،وعلى يد هذا الشاب ومن خلال فنه فقط ،بناء صورة جديدة للنجم ..النجم القادم من الحارة والقرية والنجع ومن طين الأرض!

وفي مساء هذا اليوم اجتمعنا في شقة أحمد زكي ..وفي نهاية السهرة همس في أذني بأن أمر على السيناريست العظيم محفوظ عبد الرحمن الذي كان يسكن يومئذ في شارع البطل أحمد عبد العزيز في مدينة المهندسين أيضا.. وكان بيته في طريقي وأنا ذاهب إلى المجلة وعودتي منها.

واستعدت مع الكاتب الموهوب سنوات الستينات والسبعينات يوم عملنا معا في إدارة المجلات تحت رئاسة شاعر مصر العظيم صلاح عبد الصبور، أنا في مجلة “المسرح” وهو في مجلة “المجلة”..

وفي هذه اللقاءات قرأت وعلى امتداد عام كامل مراحل سيناريو فيلم “ناصر 56” الذي كان كاتبنا الموهوب على وشك الانتهاء منه ..وكان السبب في هذا التكليف هو حبي لأحمد زكي  ممثلا ومحفوظ عبد الرحمن كاتبا ،ولعبد الناصر زعيما وقائدا باعتباري ناصريا عريقا إن لم أكن متطرفا في ناصريتي.

وفي الحقيقة أنني – ولقصور في الخيال ربما- لم أتخيل أحمد زكي أبدأ في شخصية جمال عبد الناصر بكل ما فيه من عملقة ومهابة وزعامة بلا نظير.!

وتساءلت بيني وبين نفسي.. كيف يجمع هذا الممثل بين طه حسين وجمال عبد الناصر ،وهما نقيضان وكيف يجمع بين البطل  التراجيدي الشعبي “متولي في الفيلم الشهير والبطل الأسطوري قائد التأميم ، وهما أيضا نقيضان، بل إنني سألت نفسي كيف يقدم هذا الممثل أفلاما مثل :”البيه البواب وكابوريا وكاراتيه وهستريا واستاكوزا” ..ثم يقدم بطلا أسطوريا وتاريخيا بلا نظير مثل جمال عبد الناصر ..إنني لم أتخيل هذا أبدا ، ولكن هذه الأسئلة وغيرها هي التي أجاب عنها أحمد زكي بعد ذلك، في أدواره الخالدة التي جمع فيها بين التراجيديا والكوميديا ، وبين شخصية الطاغية المتعجرف في “زوجة رجل مهم ” وشخصية المنكسر في “البريء” ،لقد كان في قلب كل شخصية يقدمها ، وكأنها خلقت له أو خلق لها .

ويوم عرض الفيلم ضجت صالة العرض بالتصفيق الحاد لمدة خمس دقائق وخرجت منتشيا وسعيدا ، لأن أحمد زكي قدم “ناصر كما لم يقدمه أحد ،خصوصا وأن أكثر من ممثل من كبار الممثلين قدموا عبد الناصر في معالجات سابقة.

ولكن أداء أحمد زكي كان مثل عصا موسى التي التهمت حبالهم وعصيهم في أداء مذهل ولا ينسي … وبعد أن أفقت من نشوة الفيلم كتبت مقالا لم أكتب مثله ، وبعد صدور المجلة بأقل من ساعة فوجئت بأحمد زكي يطلب أن يراني .. قال :أنا في انتظارك في الشقة ..وحين ذهبت إليه احتضنني بحب ثم بكي فبكيت معه ..ثم قام وأحضر ألبوم الصور الخاص بالفيلم ،فانتزع منه أجمل صورة وهي التي يجسد فيها شخصية جمال عبد الناصر في المشهد الذي يعلن فيه تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية..ثم كتب بخط يده على ظهر الصورة كلمات عادت بي إلى ثلاثين سنة إلى الوراء ..كتب يقول وبالحرف …” إلى صديق العمر محمد بركات ..إلى زمن البراءة والحلم الجميل ..مصري جدا ..انسان جدا ..إنه محمد بركات “..ووقع كاتبا: أخوك أحمد زكي. وما زالت هذه الصورة بتوقيعها عندي في أبرز مكان في مكتبي !

في السنوات التالية اكتملت أسطورة أحمد زكي في عشرات الأدوار التي ابدع فيها كما لم يبدع احد ،وبلغت قمة الحماس او قمة الجنون انه فكرفى تقديم سخصيه السادات فى الفيلم الشهير.. وكان هذا تحديا كبيرا.. ولكن هل هناك شئ يقف امام الموهبه

الحلقه القادمة السادسه والاخيره من القصه الحقيقيه لاحمد ذكى وهى بعنوان.. التراجيديا! هل هناك شيء يقف أمام الموهبة ؟

ناصر محجوب

Recent Posts

100 صورة من فعاليات الحفل الخيري لمؤسسة ياسمين السمره بالمتحف المصري

تحت رعاية  معالى وزيرة التضامن الاجتماعي د/ نيفين القباج نظمت مؤسسة ياسمين السمره الخيرية لمرضى…

يومين ago

مبادرة نادى اينرويل التحرير لدعم المشروعات الصغيرة

تحت رعاية السادة رئيس واعضاء مجلس ادارة نادى الجزيرة وبعناية السيدة / منى ابو الفتوح…

3 أيام ago

احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية

تألق الفنانة أنغام والفنان تامر حسنى ، في حفل مجلس القبائل والعائلات المصرية، في الاحتفالية…

5 أيام ago

مركز راشد لأصحاب الهمم يكرم نجوم الفن والسفراء والاعلام

شهدت احتفالية مركز راشد لأصحاب الهمم، تكريم عدد من الشخصيات والنشطاء الداعمين لأنشطة المركز طيلة…

6 أيام ago

وفاة الفنانة شيرين سيف النصر

توفيت الفنانة شيرين سيف النصر، السبت، عن عمر يناهز 56 عاماً، بعدما قدمت 31 عملاً…

أسبوعين ago

حفل سحور ليونز جاردن سيتي

يوم السبت  ٦/ ٤ / ٢٠٢٤ أقام نادي ليونز جاردن سيتي برئاسة حازم خليل حفل…

3 أسابيع ago

This website uses cookies.