بقلم الاستاذه آيه عبد المجيد
خصوصيتي
من الآداب الإسلامية الرفيعة التي دعمتها الشريعة الإسلامية احترام الحياة الخاصة للآخرين، حيث وضعت سياجاً منيعاً من القيم والتعاليم والأحكام الصارمة، التي تحقق السرية والخصوصية، وجرّمت الاطلاع عليها أو كشفها تحت أية دعوى أو مبرر مهما كان.
هذا الأدب الراقي يؤكد حرص الإسلام الشديد على تنظيم العلاقة بين الناس ليعيشوا حياتهم بحرية بعيداً عن عيون المتلصصين، وسفاهات المتربصين الذين يعشقون الفضائح ويشيعون الخوف والقلق والاضطراب بين الناس.
والالتزام بهذا الأدب الرفيع يجعل الإنسان يعيش مطمئن القلب راضي النفس، والطريق إلى تحقيق هذا الهدف هو حسن علاقته بالآخرين، والحفاظ على مشاعرهم، واحترام خصوصياتهم، وعدم التلصص عليهم، وتجنب البحث عن مساوئهم وتجاوزاتهم
احترام خصوصية الآخرين
أمر مهم ومطلوب من الجميع، والإسلام يحثنا على ذلك، بل كل الأديان تحث على ذلك وتدعو له.. سواء أكانت حقوقاً مادية أو أدبية لا يجوز الاعتداء عليها بأي حال من الأحوال. وهذا ما يجب أن يعيه كل فرد من أفراد المجتمع ويلتزم به تماماً. إنّ لكلّ إنسان مجموعة من الأمور الخاصّة التي لا يحب أن يطّلع عليها الآخرون أو بعض النّاس، ولا بدّ من احترام خصوصيّة الأشخاص والحفاظ على أسرارهم، لأنّ من شأن ذلك زيادة الثقة بين النّاس، وتوثيق الروابط الاجتماعية، لأنّه في كثير من الأحيان، يؤدّي عدم احترام الخصوصيّة إلى نشوب المشكلات، وضعف الثّقة، والتّعدّي على حقوق الآخرين. ومن السّلوكيات المشينة التي نهانا الله عنها في الشريعة الإسلاميّة (التجسس) لأنها انتهاك للحريات، وتعدٍّ على الخصوصيات، وهتك للأسرار.
وهناك فرق كبير بينها وبين (التحسس) وهو أن نهتم بمن حولنا بصدق، ونقدّم لهم العون والمساعدة، دون فضول وحشريّة أو أيّ إساءة.
قال تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا) (الحجرات): وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم): «من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه»، وعن علي (رضي الله عنه): «تتبّع العيوب من أقبح العيوب، وشر السيئات». وعن حرمة التجسّس على المسلم، بالبحث عن أسرار الآخرين الخفيّة، مما لا يريدون إطلاع الناس عليه من قضاياهم الذاتية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وغير ذلك، لأنّ الله أعطى الحياة الخاصة حرمةً شرعيةً، ولم يجز للغير اقتحامها، وجعل للإنسان الحقّ في منع غيره من الاعتداء أو التلصّص عليها بأيّ وسيلة.
فنجد البعض يعطي نفسه الحق في العبث في جوالك ويقرأ رسائلك والصور الخاصة بك التي لا تحب أن يطلع الآخرون عليها.. أو من يأخذ لك صورة وأنت جالس بأي وضعية ومن ثم ينشرها في مواقع التواصل.. وهناك من ينشر عن حادث مؤلم أو حدث غير ملائم للنشر فإنه يتجرد من مشاعره الإنسانية ويعطي لنفسه الحق بأن يكون وصياً على الآخرين والتعدي على حقوقهم والتشهير بهم. أصبحنا اليوم في ذعر وخوف أن توجد في أماكن عامة وتخطئ في أمر ما كي لا تكون من ضمن الناس الذين سبقونا في (مواقع التواصل) ونكون أضحوكة. إن مثل هذه الظاهرة لا تلائم مجتمعنا المسلم الذي يؤمن بالخصوصية دينياً واجتماعياً وهي دخيلة علينا وقد تتسبب بالكثير من المشاكل، ويجب على أبنائنا أن يرتقوا بأفكارهم وسلوكياتهم المستوى المشرف وألا تغريهم مثل هذه التصرفات التي تضر بمكانتهم وسمعتهم بأنهم مسلمون. والجهات المعنية وضعت حدوداً وقوانين صارمة لاحترام الخصوصية والردع لمن سولت له نفسه بالتعدي عليها.. وهنا أشدد على دور البيت والمدرسة ووسائل الإعلام، فلهم الدور الكبير في التوجيه وبناء الفكرة واستحواذ عقول الناشئة على هذه التكنولوجيا الحديثة. ويدركون بأنها نعمة من نعم الله علينا جميعاً..